يبدو أن انصراف حميش عن وزارة الثقافة، سمح بعودة الدفء إلى قنوات التواصل بين الوزارة وعموم المبدعين والكتاب والمثقفين المغاربة.
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، استقبال الوزير الجديد للعديد من ممثلي الهيئات والمنظمات الثقافية والفنية المغربية (التي كان معظمها مقاطعا لأنشطة الوزارة)، وعلى الخصوص النشاطُ المكثف الذي يعرفه المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء في دورته الثامنة عشرة، والإقبال الكبير عليه من الزوار من مختلف مناطق المغرب، والندوة الصحافية التي نظمت إبان انطلاق الدورة من قبل الوزير الأستاذ محمد الأمين الصبيحي.
فالمطلع على برنامج المعرض وعدد الناشرين والبلدان المشاركة ونوعية مؤطري ندواته ومحاضراته وورشاته ولقاءاته وموقعي إصداراتهم فيه...و...، لا يمكنه إلا أن يلاحظ الفرق الشاسع (وانتفاء المقاطعة والتوتر بين المثقفين والوزارة)، مقارنة بالدورات السابقة على عهد بنسالم.
وهكذا يتضح، للأسف، أن مؤسساتنا لم تترسخ بعد كمؤسسات، وكإستراتيجيات لا تتأثر بمجيء أو انصراف الأشخاص المسؤولين، بل مازالت تلك المؤسسات تخضع إلى أبعد الحدود، لتصورات (نزوات، أمزجة؟) الأشخاص.
تبدو الدورة الحالية ناجحة بكل المقاييس: منظورا إليها من حجم مشاركة الناشرين وعدد الدول، ومن الأنشطة الثقافية والفنية الموازية الهامة المنظمة في مختلف الفضاءات والأروقة، ونوعية المواضيع المطروقة (الربيع العربي ـ التحولات الوطنية وتنزيل مقتضيات الدستور ـ السوسيولوجا والعلوم الإنسانية ـ الجوائز الأدبية والإعلان عن جائزة المغرب للكتاب ـ جائزة الأركانة لبيت الشعر ـ الإبداع "النسائي" ـ القراءات الشعرية والقصصية ـ الاحتفاء بالقراءة (شعار المعرض: "وقت للقراءة.. وقت للحياة") ـ حوار الكتّاب والمبدعين ـ السيرة الذاتية ـ الكتابة بالأمازيغية ـ المدينة الإسلامية ـ هموم الشباب ـ الأدب والسينما والسفر ـ تقديم وتوقيع الإصدارات والكتاب الأول ـ الرحلة من وإلى المغرب والجزيرة العربية ـ النهوض بالمكتبات وتحفيز القراءة والكتاب الرقمي ـ فضاء الطفل وأنشطته وورشاته ـ النشر، المسرح، الترجمة، الرواية، النقد، الاستشراق، التنمية، مجتمع المعرفة، إلخ... إلخ...)، وإطلاق موقع إلكتروني خاص بالمعرض على الشبكة العنكبوتية ، ونوعية (وحجم)الشخصيات والمبدعين والمفكرين والمثقفين المشاركين من المغرب والعالم العربي والدول الصديقة (الأمير مولاي رشيد ـ وزير الثقافة وكاتبها العام ـ وزير التعليم العالي ـ الشاعرة الأمريكية الحاصلة على جائزة "الأركانة": ـ مسؤولون سعوديون بحكم بلدهم ضيف شرف الدورة ـ مبدعون وكتاب من الجزائر ومصر ولبنان والسعودية وسوريا وليبيا والأردن وتونس وفلسطين وإسبانيا وفرنسا والبرتغال وإيطاليا والمكسيك وكولمبيا وتركيا والسينغال والولايات المتحدة الأمريكية...)، إلى جانب أنشطة المؤسسات الثقافية ذات الهم الثقافي: اتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر والناشرون (والناشرات) ومؤسسات سعودية... والمتابعة اليومية الواسعة للحدث من قبل الإعلام الوطني (وحتى العربي والدولي) المرئي والمسموع والمكتوب، وحضور "الهامش" و"المركز"، جنبا إلى جنب بندية ظاهرة ، وحوار الأجيال بين المبدعين والكتاب المكرَّسين والشباب الواعدين، وبين الكتاب و"الجمهور القارئ"...)
كل ذلك يسمح لنا باعتبار التظاهرة حدث الموسم الثقافي بامتياز.
نرجو أن يتم تقويم الدورة عند انتهاء الزمن المحدد لها: تقويمها، لا فقط من أجل التطوير في المستقبل ورصد مكامن القوة والضعف في تنظيم التظاهرة، وإنما، وعلى الخصوص، من أجل وضع تصور شمولي لسياسة ثقافية وطنية واضحة وإستراتيجية واضحة على المدى المتوسط والطويل، لا تتأثر بمجيء أو انصراف الأشخاص، وإنما يحكمها منطق استراتيجي وطني يكون الأشخاص فيه موارد بشرية كفءة مجندة للحرص على حسن الأداء والتنفيذ والتجويد والتحسين.